اعتدنا كثيرا فى الآونة الأخيره أن نسمع عن ضرورة الفصل بين الدين والسياسه بحجة أن الدين شيىء مقدس ، والسياسة مجال متسع للألعاب غير النظيفة ، ولذا لا يجوز - حسب زعم البعض - أن نقحم الدين المقدس فى السياسه التى تقدس الكذب والنفاق لتحقيق غايات معينه، وهنا يجب أن نعرِّف ما هو الدين وما هى السياسه وهل هناك حاجة للربط أو للفصل بينهما؟
-تعريف الدين :-
عبارة عن مجموعة من القيم والقوانين والتشريعات التى تحكم جميع أبعاد الحياة الشخصية والإجتماعية والمادية والمعنوية للبشر.
تعريف السياسه :-
هى استخدام وتوظيف كل الوسائل والأدوات الممكنة من أجل الوصول للهدف.
وهى تدبير وادارة الشئون الحياتية للفرد والمجتمع فى المجالات المختلفة.
- ولقد اعتدنا أيضا أن نسمع كثيرا هذا الكلام - عن فصل الدين عن السياسه وفصل السياسه عن الدين - دون أن يفكر أحد فى مغزى هذا الكلام مما يسبب احساسا لدى البعض بأن الدين قاصر وناقص غير كامل فالدين - أى دين - وخاصة الإسلام ، يعتبر منهج لحياة الأشخاص الذين يؤمنون به ، فالإسلام مثلا علمنا ماذا نقول عند النوم وعند الاستيقاظ ، عند الفرح وعند الحزن ، عند دخول الخلاء والخروج منه ....... الخ
- الدين أيها الساده السياسيون هو أصل كل الأفعال - أو هكذا يجب أن يكون - فالرسول ( ص ) كان يحكم بالإسلام فأقام دولة الحق والعدل والمساواة ، واتبعه من بعده الخلفاء الراشدون ومن تبعهم ، كل هؤلاء لم يجدوا حرجا فى أن يطبقوا الدين فى السياسة ، بل كان الحرج فى عدم تطبيق الدين فى السياسه ، فالدين هو المحرك الأساسى لسلوك الأفراد سواء داخل أنفسهم أو مع بعضهم البعض، وبالتالى علاقة هؤلاء الأشخاص داخل مجتمع ما بأشخاص آخرين فى مجتمع آخر فيما يعرف بالسياسة الداخليه والسياسة الخارجية.
- ومن الزاوية الأخرى ( علاقة السياسة بالدين ) نجد أن مجتمعنا الغريب الذى ينادى بعزل الدين عن السياسه، ينادى بكل قوة بدمج السياسه فى الدين ، فنحن الأن نأخذ من الدين ما يحقق أغراضنا الدنيوية فقط ونتجاهل باقى الدين ، مثلا قانون الخلع ، والذى فرضه علينا بعض السياسيون ارضاءا للدول الخارجيه والمنظمات العالميه، هذا القانون تم اقراره بعد أخذ رأي رجال الدين فأحلوه وأفتوا بحلته استنادا إلى حادثة واحدة وقعت أيام الرسول (ص) ، ونجد أن نفس هؤلاء العلماء هم من أفتوا بجواز صدور قرارا يحرِّم الختان ولقد صدر هذا القرار أيضا ارضاءا لبعض الدول والمنظمات العالميه ، وهنا نلاحظ أن السياسيين يتجهون لرجال الدين فقط عندما يكون لهم مصلحة سياسية خاصة.
-تاريخ الصراع بين السياسة والدين :-
- يعود الأمر فى بدايته إلى العصور الوسطى فى أوروبا ، حينما كانت الكنيسه هى التى تحكم ثم لما قامت الثورات ضد الحكم الكنسى ظهر اتجاه معاكس هو الإتجاه العلمانى الذى ينادى ويدعو إلى فصل الكنيسة عن السياسة، ثم ما لبس هذا الإتجاه أن ساد فى البلاد العربيةبعد سقوط الحكم العثمانى وحينها ظهرت الأحزاب المدنية التى دعت إلى هذه الدعوة.
- يقول كوندورسيه - وهو من قواد الثورة الفرنسية الذين دعوا إلى فصل السياسة عن الدين -:
" سوف يأتى يوما تشرق فيه الشمس على الإنسان الحر الذى يعتبر العقل فقط هو سيده ، عندما يحتل الطغاة والعبيد ورجال الدين وأدواتهم الجهنميه مكانهم الطبيعى فى صفحات التاريخ ، وعلى خشبة المسرح " .
- وعلى النقيض تماما نجد غاندى يقول :
" إننى لا أستطيع أن أحيا حياة دينية إلا إذا وجدت نفسى فى الإنسانية جمعاء ، وهو مالا أستطيع تحقيقه إلا إذا دخلت السياسة " .
- الدليل الشرعى على ضرورة الربط بين الدين والسياسة :-
يقول الرسول (ص) : " إن الله فرض فرائض ، فلا تضيعوها ، وحدَّ حدودا فلا تعتدوها،وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء ، رحمة بكم غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها " . رواه الدارقنطى وهو من أحاديث الأربعين النووية.
وفى هذا الحديث يدعونا الرسول (ص) إلى ضرورة التمسك بكل ما حثنا عليه الدين وتطبيقه فى دنيانا وكذلك حثنا عن الإبتعاد عن المحرمات التى حددها لنا الدين ، وهذا أكبر دليل على ضرورة الربط بينهما وعلى أنهما واحد لا يتجزأ ، وليس اثنان يجب أن يجتمعان.
-الخلاصة:-
مما سبق نستخلص أن السياسة لا يمكن فصلها عن الدين وكذلك الدين لا يمكن فصله عن السياسة ، ولا تقدم بغير الأخذ بمبادىء الدين فى السياسة وإلا فكيف قامت النهضة الإسلامية التى أنارت العالم كله؟ وكيف اتسعت دولة الإسلام ؟ هل كان حكامها يحكمون بمبدأ العلمانية ؟.
قد يجيب أحد الأسخاص : " هناك فرق فى الزمنين ، زمن الخلافه الإسلاميه والعصر الحالى عصر التقدم والتفكير العلمى ".
وللرد عليه أليس الإسلام دين متجدد لكل العصور ؟ ، ثم إذا افترضت معك أن العصر تغير فأيهما أشد؟ عصر الجاهلية الأولى ، أم العصر الحالى ؟ بالطبع عصر الجاهلية الأولى كان أصعب فى تقبل الفكر الإسلامى ، لكنه تقبله ، ولهذا فمن الأحرى أن تتقبل مجتمعاتنا فى العصر الحالى هذا الفكر بكل سهولة ويسر - إذا أردنا ذلك- .</I>